الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.إمارة بني أبي نمي بمكة. ولما هلك أبو نمي قام من بعده بأمر مكة ابناه رميثة وحميضة ونازعهما عطيفة وأبو الليث فاعتقلاهما ووافق ذلك وصول بيبرس الجاشنكير كافل الملك الناصر بمصر لأول ولايته فأطلقهما وولاهما وبعث برميثة وحميضة إلى مصر ثم ردهما السلطان إلى إمارتهما بمكة مع عسكره وبعث إليه بعطيفة وأبي الغيث ثم طال تنازعهم وتعاقبهم في إمارة مكة مرة بعد أخرى وهلك أبوالغيث في بعض حروبهم ببطن مر ثم تنازع حميضة ورميثة وسار رميثة إلى الملك الناصر سنة خمس عشرة واستمد بأمرائه وعساكره وهب حميضة بعد أن استصفى أموال أهل مكة ثم رجع بعد رجوع العساكر إلى مكة ثم اصطلحوا وتوافقوا ثم خالف عطيفة سنة ثمان عشرة ووصل إلى السلطان وجاء بالعسكر فملك مكة وتقبض على رميثة فسجن أياما ثم أطلق سنة عشرين عند مقدم السلطان من حجه وأقام بمصر وبقي حميضة مشردا إلى أن استأمن السلطان فأمنه وكان معه جماعة من المماليك فروا إليه من مصر انتقاضه فشعروا بطاعته فخافوا على أنفسهم أن يحضروا معه فقتلوه وجاؤا إلى السلطان يعتقدون ذلك وسيلة عنده فأقاد رميثة منهم بأخيه فقتل المباشر للقتل وعفا عن الباقين وأطلق رميثة إلى مكة مشاركا لأخيه عطيفة في إمارتها ثم هلك عطيفة سنة وأقام أخوه رميثة بعده مستقلا بإمارة مكة إلى أن كبر وهرم ثم هلك وكان ابناه ثقبة وعجلان قد اقتسما معه إمارة مكة برضاه ثم أراد الرجوع عن ذلك فلم يجيباه إلى شيء مما أراد واستمرا على ولايتهما معه ثم تنازعا وخرج ثقبة وبقي عجلان بمكة ثم غلبه عليها ثقبة ثم اجتمعا بمصر سنة ست وخمسين فولي صاحب الأمر بمصر عجلان منهما وفر ثقبة إلى بلاد الحجاز فأقام هنالك وعاقبه إلى مكة مرارا وجاء عجلان سنة اثنتين وستين بالمدد من عسكر القاهرة فكبسه ثقبه وقتل أخاه وبعضا من العسكر ولم يزل عجلان على إمارته سالكا سبيل العدل والإنصاف في الرعية متجافيا عن الظلم عما كان عليه قومه من التعرض للتجار والمجاورين وسعى في أيام إمارته في قطع ما كان لعبيدهم على الحاج من المكس وثبت لهم في ديوان السلطان عليها عطاء يتعاهدهم أيام الموسم وكانت من حسنات سلطان مصر وسعى هذا الأمير عجلان جزاه الله خيرا وأقام على ذلك إلى أن هلك سنة سبع وسبعين وولي ابنه أحمد بعده وقد كان فوض إليه في حياته وقاسمه في أمره فقام أحمد بأمر مكة وجرى على سنن أبيه في إثبات مراسم العهد وإحياء معالمه حتى شاع عنه ذلك في الآفاق كل ألسنة الحاج والمجاورين وولاه صاحب مصر لعهده الملك الظاهر أبو سعيد برقوق على ما كان أبوه وسير إليه بالخلع والتفويض على عادتهم في ذلك وكان في محبس أحمد جماعة من قرابته منهم أخوه محمد ومحمد بن أخيه ثقبة وعنان ابن عمه مغامس في آخرين فلما مات أحمد هربوا من محبسهم ولحقوا بهم فردوهم وأجلوا محمد بن عجلان منهم إلا عنانا فإنه لحق بمصر مستجيشا على محمد وكبيش فأنجده السلطان وبعثه مع أمير الركب ليطالع أحوالهم واستصحب معه جماعة من الباطنية فتكوا بمحمد عند لقائه المحمل الذي عليه كسوة الكعبة بشارة الخليفة وتقبيله الخف الذي يحمله على العادة في ذلك وتركوه صريعا في مكانه ودخلوا إلى مكة فولي أمير الحاج عنان بن مغامس ولحق كبيش وشيعته بجدة فلما انقضى الموسم ورجع الحاج جاء كبيش وأصحابه وحاصروا مكة وكان بينهم وبين عنان حروب قتل كبيش في بعضها ثم لحق علي بن عجلان وأخوه حسن بالملك الظاهر صاحب مصر فرأى أن يحسم المادة بولايته فولاه سنة تسع وثمانين مشاركا لعنان بن مغامس في الإمارة وسار مع أمير الركب فلما وصلوا لكومرد بكروا إلى مكة على العادة وخرج عنان للقائهم ثم نكص من بعض الطريق هاربا ودخل على مكة واستقل بإمارتها ولما انفض الموسم ورجع الحاج جاء عنان ومعه بنو عمه مبارك وجماعة الشرفاء فحاصروا مكة على علي ونازعوه الإمارة ثم أفرجوا ثم رجعوا وحالهم على ذلك متصل لهذا العهد ووفدوا على السلطان بمصر سنة أربع وتسعين فأفرد عليا بالإمارة وأفاض عليه العطاء وأكثف له الجند والمستخدمين وأبقى عنان بن مغامس عنده وأجرى عليه الرزق ونظمه في أهل دولته ثم نمي إلى السلطان أنه يروم الفرار إلى الحجاز لينازع أمير مكة علي بن عجلان فقبض عليه وحبسه وقبض علي بن عجلان على الأشراف الذين كانوا هنالك شيعة له ثم من عليهم وأطلقهم فعادوا إلى منازعته والفتنة معه لهذا العهد والله متولي الأمور لا رب غيره.
|